فن مُعرّق الخشب؟

لقد نشأ فنُّ البشر منذ مئات أو آلاف السنین بعد ما قام الانسان بالکتابة علی الحجر و الرسم علیه…
فلاأحدٌ یعلم متی و أین و لکنَّ الانسان الذي یرغب في الفن تأمّل في الأشجار و خشبها و انتبه إلی ما في جوفها من عالَم. فالأشجار مخلوقات فریدة لقد أنشأها الفنان الواحد الأحد و قد جعل فیها عالَماً من الألوان و الرسوم لکي یندهش کلُّ مَن یری جوفها و یکتشف جمالها و یردِّدُ تلقائیاً “فتبارك الله أحسن الخالقین”
لقد تُقدِّرُ أحدث البحوث التي جرت في علم الآثار إلی أنَّ سابقة هذا الفن یعودُ إلی أکثر من 5 آلاف سنة قبل میلاد المسیح و ذلك من خلال اکتشاف مِشطٍ خشبي في خربة المدینة المحترقة في زابل. بعد البحوث و الدراسات التي أُجریت علی نقوش المُعرَّق الموجودة علی هذا المشط و الطریقة المستخدمة في صنعه تبیَّنَ أن النقوش فارسیة الأصل تماماً و تتناسق مع باقي أواني الخزف التي وُجدت في تلك المنطقة و هناك فرقٌ شاسعٌ بین هذا الفن و فنِّ المُعرَّق الهندي و هذا الأمر ینفي المقولة التي تری بأنَّ المِشط و فنَّ المعرَّق قد دخل بلادنا من البلاد الأخری و قد أثبتَ بأنَّ لهذا الفن أصالة و قدمة لدی الفُرس.
کان یُستخدم فنّ المُعرَّق منذ العصور القدیمة لزخرفة الأبواب و النوافذ و الوسائل و کان یسعی الفنانون لتجمیل البیئة مستخدمین بعضٍ من أصناف الأخشاب المحدودة بما فیها الأبنوس، الفوفل (الأریقة)، الکمثری، التوت و الزیزفون.
لقد تطوَّر هذا الفن علی مرِّ الزمن و أصبحت التصامیم أدقَّ و أکثر تعقیداً و قد تم استخدام أصناف أخری من الخشب. في المراحل التالیة و نظرا إلی الاهتمام بالفنانین و هذا الفنّ بالتحدید، نشأ بعضُ الأساتذة الذین کان لهم دورٌ أساسي في نشر و تطوّر هذا الفن في الوطن الفارسي. إلیك بعض الأساتذة في هذا الفن، الأستاذ حسین طاهرزادة بهزاد، احمد امامي، احمد رعنا و…
من المؤسف أنّ هذا الفنِّ یُذکر ضمن مجموعة الصناعات الیدویة. فالذین یُطلقون علی هذا الفن کلمة الصناعة، في الواقع لم یستوعبوا المعنی المبدئي لهذا الفن و قد یظنُّ هؤلاء بأنَّ فن المُعرَّق مجردُ تقطیع الخشب و وضعه إلی جانب البعض. بینما لایمکن إطلاقُ هذا الشيء علی هذا الفن من الناحیة الاحترافیة مطلقاً.
للمزید من استیعاب الموضوع، نودُّ أن نقارنَ بین هذا الفن و فنّ الرسم الذي یعرفه الجمیع.
في الحقیقة الفنّان الذي یعمل في مجال المُعرّق، فضلاً عن حذاقته التي ینبغي أن یتحلّی بها کالرسّام في مجال معرفة الألوان، أسس المنظوریة، المناهج المختلفة في التصمیم، أسس معرفة الجمال البصري و التنسیق و الانسجام بین التراکیب و الألوان، من المفروض أن یکون لدیه إلمام بالأسس التي تتعلقُ بتخصصه و یجب علیه أن یکون حاذقاً فیها. معرفة الأشجار و الأخشاب من الناحیة الفیزیائیة و الکیمیائیة، معرفة الألوان المختلفة الموجودة في الأشجار و الأماکن التي تنمو فیها، احتساب نسبة الأکسدة و کیفیة تغییر ألوان الخشب المختلفة طوال العصور من الأمور الضروریة في العمل و علی أساس هذه المعلومات یتم استخدام الأخشاب المختلفة. و بالنتیجة ینبغي للفنان أن یتحلّی بالصبر و یبذل جهوده في البحث في الطبیعة و اکتشاف الألوان و النقوش المختلفة من جوف الأشجار.
في الرسم یتم استخدام الألوان بالتفکیر و احتساب شدّتها و ضعفها و مراعاة الانسجام و أسس معرفة الجمال البصري و لکن بالنسبة لفنّ المعرّق یقومُ الفنّان بکلِّ هذه الأفکار و المحاسبات و لکن علی نحوٍ أصعب بکثیر لأنَّه ینبغي القیام بکلِّ هذه الأمور بواسطة ألوان الخشب المحدودة و في نفس الوقت یجب الانتباه إلی میزات النقوش و أنسجة الخشب.
علینا أن لاننسی في فنِّ المُعرَّق لایمکن صُنع الألوان. لایمکن صُنع الظلال بالقلم. من المستحیل وضع الألوان علی بعضها و صُنع لون جدید. لانستطیع أن ندمج الألوان ببعضها مثل الرسم. في المُعرّق لایمکن التعویض عن أي خطأ، إذ أنَّ الطبیعة تخلُقُ الخشب بلون و نقوش واحدة لمرة واحدة فقط و ینبغي اغتنام الفرصة. في هذا الفن للعثور علی الألوان. یجب التجول في الطبیعة لفترة طویلة (طبعا إذا یحالفك الحظ). ففي هذا الفن أبسط تقنیات الرسم تتم بصعوبة و من خلال الاعتماد علی حذاقة الفنان و لکن هذا اول مرحلة من العمل. فرسم نقشة بسیطة في فن الرسم التي لاتأخذ من الوقت سوی بضعة دقائق في فن المعرّق تستغرق أیاما حتی.
في الواقع الفنان في فن المعرّق یسعی لکي یخلقُ من الخشب ما یراه في الحقیقة. و أن یمزج رسمته بالخشب و الروح التي تظهر فیه و لیس بمساعدة الألوان و أن یستخلص النقوش التي رسمها الله سبحانه و تعالی في جوف الأشجار و یعرضها علی أعین الناظرین بأفضل ما یمکن من خلال ربطها بفن الرسم. فن المعرّق یتجلّی عبر العثور علی النقوش، خلق الصور، انسجام النقوش مع البعض و إبداع أثر جدید. ففن هذا الفنان هو عبارة عن الرسم بالخشب.